زيّاد… “إنت مش كافر”.
أيّها “الزاهد” في فضاء هذا الكون الماديّ، الذي انطلق من أسس الماركسيّة اليساريّة الفكريّة بعميق الفهم، فتجنّبت فخّ “الرأسماليّة” حتّى في متاهات الموسيقى المغرية؛ فأصبحت “كالمتصوّف” الذي يبحث عن الحقيقة، داعيًا إلى استنهاض متمرّد من الأعماق لنفوس أولئك النّاس المنهزمين، الذين استسلموا للضعف بمشيئتهم، نتيجة تكرار إصغائهم لأفكار وهميّة كاذبة وواهنة، زرعتها يد الإعلام المسؤولة في أمبراطوريّة الشرّ على مدار عقود في مجتمعاتنا.
زيّاد… ها نحن نعترف بتعبنا في البحث عن الكلمات حتّى نرثيَك… في زمن توقّفت فيه ساعة الإبداع الفنّيّ، ومنذ مُدّة، وما الناس حاليًّا إلّا في حالة اجترار مستدام لأجزاءٍ ضئيلة ممّا مضى، حاملين ذاكرة اجتماعيّة ثقافيّة ضعيفة، دون هويّة، يبحثون بها عن انتصارات افتراضيّة صوريّة عدديّة، تُرضي نرجسيّتهم المتفاقمة الرثّة، برغبة وتوجيه من الطبقة البرجوازيّة المتحكّمة…
زيّاد… لم يتعلّموا منك أنّ أوّل صفة للمثقّف هو أن يكون نضاليًّا في سبيل تغيير وتحسين الواقع نحو الأفضل، وأنّ أوّل خطوة في النضال هي الانتصار على الذات بانتشالها من هذا القعر المفروض عليها، وأنّ أوّل طريق للانتصار هو شرب جرعات مقدّسة من المقاومة، وأنّ أوّل كأس يُشرب يأخذك إلى الإيمان بالأمل ويبعدك عن شتّى أنواع اليأس، ومن يسكن الأمل في قلبه يعرف أنّه منتصر كيفما آلت نتاج الأمور، فأنت من قلت “أنا ما عم جرّب غيّر البلد، أنا عم جرّب بسّ ما خلّي هالبلد يغيّرني”… وأضمن لك أنّك غيّرت الكثير، وما زلت تغيّر، أينما كنت، فوق التراب أم تحته “مش فارقة معاي”…
زيّاد… يا خزّان ذاكرة لأجيال عديدة خَلَت، لم تستطع فهم واقع لبنان الاجتماعيّ والسياسيّ المعقّد والمتكرّر، إلّا من خلال أقوالك (أغنية، مسرحيّة، عبارة إلخ…)، وبسخريّة، جَعَلْتها تضحك مرارًا وتكرارًا على وجعها، “فالعقل زينة” حقيقة!
زيّاد… أنت ذلك المتقن لألسن موسيقيّة متنوّعة، فمن جهة تجلّى اتقانك، مرارًا وبسحر، لأنماط من الموسيقات المقاميّة الأحاديّة، بكثير من الحرفيّة والأصالة معًا، وكأنّ مشربك بئر عميق يسكب مقامات لا تنتهي من هذا المشرق العظيم؛ ومن جهة أخرى طوّعت موسيقى الجاز بحلّة شرقيّة جديدة، مع خبايا متنوّعة من الموسيقات الطوناليّة التعدديّة العموديّة، وكأنّك منفتح على موسيقى العالم كلّه، ولو قبل الأوان… فيا لهول العظمة! ويا لدهشة الإبداع!
زيّاد… “النجدة الشعبيّة اللّبنانيّة” لا يمكن أن تنساك؛ فهي لم تنسَ كيف خصّصت عائدات “هدوء نسبيّ” لدعم الأنشطة الصحّيّة والاجتماعيّة والإنسانيّة في مختلف المناطق اللّبنانيّة؛ ولم تنسَ ما جيّرته من عائدات إصدار كاسيت “أنا مش كافر”… ولم تنسَ حفلات عديدة قدّمتها لصالحها في أوروبا… فنحن لم نعرف فنّانًا حقيقيًّا مشهورًا في عصرنا “غيرك”، إذ ينطبق عليك قول الإمام الشافعيّ:
“قد مات قوم وما ماتت فضائلهم… وعاش قوم وهم في النّاس أموات…” فشكرًا لك زيّاد.
زيّاد… نحن لا نعرف كيف نردّ لك كرمك وهذا الدَّيْن علينا، لكن إعلم أنّنا أحببناك بالقلب والعقل معًا، دخلت قلوبنا بطرافتك، وتملّكت مساحة في عقلنا بحِكمتك، وأثّرت في مستقبلنا برؤيتك، ومن هنا، نعاهدك، ألّا نترك وسيلة أو فرصة أو مناسبة إلّا وأنّ نستذكرك بها، وأن نسعى إلى سلسلة من التكريمات التي تليق بك وبمسيرتك الفريدة، كما وأن نخصّص مساحة لفنّك في مؤسّساتنا الأكاديميّة منها، بقناعة منّا ولأنّك تستحقّ.
زيّاد… نحن من موقعنا نخاطب المؤسّسات المعنيّة، الرسميّة والخاصّة، وعلى رأسها وزارة الثقافة الكريمة، أن تبني خطّة عمليّة تؤول إلى تجميع وتبويب وحفظ وترقيم رصيدك الإنتاجيّ المتنوّع، وليكن موجودًا ومتوفّرًا بالطرق المعروفة وبسهولة لكلّ من يريد، سواء أكانوا متخصّصين من أهل البحث والعلم والكار، أم أناس هواة يودّون التعرّف عليك كفنّان أزليّ مرّ بهذا الزّمن، جذوره في هذا الوطن الصغير من قريّة عكّاريّة منسية اسمها “رحبة”.
زيّاد… لروحك السلام، التي طافت وستبقى تطوف بالنغم والألحان الفريدة، وأحرّ التعازي إلى أهلك الكرام، الوالدة الأيقونة نهاد حدّاد (فيروز)، والأخت ريما، والأخ هلي، صبّرهم الله، وإلى كلّ الأقرباء والأحبّاء…
د. هيّاف ياسين
مدير عام “بيت الموسيقى” في جمعيّة النجدة الشعبيّة اللّبنانيّة
الأحد 27 تمّوز 2025
«Bayt El-Mūsīqā» (House of Music) – @ the Lebanese Popular Rescue
+96170312414 & +96171809729
1-https://www.facebook.com/Bayt.El.Musiqa
2-https://www.instagram.com/bayt.el.musiqa
3-https://youtube.com/@baytel-musiqa7527